[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]جلست إليها للمرة الأولى فحدثتني نفسي أن أمد يدي إلى يدها فأضعها على صدري لأطفئ بها غلتي. فما لمستها حتى نظرت إلي نظرة العاتب اللائم و قالت.كن رجلا في حبك.واترك الطفولة لغيرك.
إن كنت تحبني لنفسي فها أنت قد ملكتها علي و أحرزتها من دوني و إن كنت تحبني لهذه الصورة الجسمانية فما أضعف همتك و ما أصغر نفسك؟
أتذرف دمعك و تسهر ليلك من أجل عظمة تلمسها أو جلدة تلثمها ؟
أنت شريف في نفسك فكن شريفا في حبك و اعلم إني ما أحببت غير نفسك فلا تحب غير نفسي.
و ما وصلت من حديثها إلى هذا الحد حتى رأيتني قد صغرت في عيني نفسي و تمنيت لو عجل إلي أجلي قبل إن يمر هذا الخاطر الفاسد في ذهني. ثم استوعبتها ذنبي فوهبته لي و ما عدت من بعدها إلى مثلها.
الآن عرفت مبلغ عظتها و فضل هدايتها و مقدار ما يبلغه الحب الشريف من النفس فهاأنذا أشعر كأن نفسي مرآة يغشاها الصدأ وكأن الحب يجلو صفحاتها شيئا فشيئا.
كنت احمل بين جوانحي لأعدائي ضغنا و حقدا فأصبحت لا أشعر بما كنت أشعر به من قبل لان الحب ملك علي قلبي و استخلصه لنفسه فلم يترك فيه مجالا لشيء سواه.
كنت ضيق الصدر إن مسني ألم سريع الغضب إن فاتني مأرب فأصبحت فسيح رقعت الحلم لا يستفزني غضب و لا يحرجني محرج لاني قنعت بسعادة الحب فلم أحفل بعدها بشيء سواها.
كنت شديد القسوة متحجر القلب لا أعطف على بائس و لا أحنو على ضعيف فأصبحت اشعر بالمصيبة أراها تصيب غيري و لا تصيبني و أتألم لبؤس كل بائس و حزن كل محزون لأن الحب أشرق في قلبي فملأه نورا فارتفع ذلك الستار الذي كان مسبلا بينه و بين القلوب.
و جملت القول أنني كنت وحشا ضاريا أعيا العالمين رياضته و تدليله فصرت بين يدي الحب الشريف إنسانا شريفا و ملكا كريما.
خرجت بها في الليل إلى ضفة النهر و كان الماء رائقا و السماء صافية و في كل منها نجوم وكواكب تتلألأ في صفحته فاختلط علينا الأمر حتى ما تفرق بين الأصل و المرآة و لا ندري أين مكان الماء من مكان السماء فمشينا طويلا لا ينبس أحدنا بكلمة كأن سكون الليل قد سرى إلى أفئدتنا و ملأ ما بين جوانحنا فأمسكنا عن الحديث هيبة و إجلالا.
و كنت أشعر في تلك الساعة بخفة في جسمي و صفاء في نفسي حتى كان يخيل إلي أني لو شئت أن أطير لطرت بغير جناح و أن في استطاعتي أن أخترق بنظري حجب السماء و أنفذ إلى الملأ الأعلى فأرى هنالك ما هو محجوب عن نطر الناس أجمعين و حتى صرت أتمنى أن يضل النجم سبيله فلا يهتدي إلى مغربه و أن يختبئ الليل في بردته فلا يعثر به فجره و أن تستمر مشيتنا هذه ما ضل النجم و ما ضل الظلام.
فالتفت إليها و سألتها هل تشعرين بالسعادة التي أشعر بها ؟
قالت لا . لأني أعرف من شؤون الأيام و أحوالها غير ما تعرف و لأني لا أنظر إلى الدنيا بالعين التي تنظر بها إليها .
أنت سعيد بالأمل و أنا شقية بالحقيقة الواقعة.
انك سعيد لأنك تظن أن سعادتك دائمة لا انقطاع لها وأنا شقية لأني أتوقع في كل لحظة زوالها و فنائها.انك إن استطعت أن تقف الشمس في كبد السماء و أن تحول بين الأرض و دورتها و أن تمنع الساكن أن يتحرك و المتحرك أن يسكن فاضمن لنفسك استمرار السعادة و بقائها .
و هناك أمسكت عن الكلام .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]